فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (43):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [43].
{وَقَالَ الْمَلِكُ} أي: لملئه: {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} أي: هالكات من الهزال. جمع عجفاء، بمعنى المهزولة، ضد السمينة {وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ} أي: وأرى رؤيا ثانية: سبع سنبلات: {خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} أي: وسبعاً أخر يابسات دقيقة، أي: نبتت وراءها، فابتلعت السنابل الخضر الممتلئة، وإنما استغنى عن عددها وإعدامها للخضر؛ للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات؛ لأنها نظيرتها.
وقوله: {يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} خطاب للأشراف من قومه، وكان دعا إثر استيقاظه سحرة مصر وحكماءها، وقص عليهم رؤياه هذه.

.تفسير الآية رقم (44):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} [44].
{قَالُواْ} أي: الملأ للملك: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} أي: تخاليطها. جمع ضغث وهو في الأصل ما جمع من أخلاط النبات وحُزِمَ، ثم استعير لما تجمعه القوة المتخيلة من أحاديث النفس، ووساوس الشيطان، وتريها في المنام. والأحلام جمع حلم، وهو ما يراه النائم، فهو مرادف للرؤيا، إلا أنها غلبت في رؤيا الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على خلافه. وفي الحديث: «الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان».
قال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا، والتفريق من الاصطلاحات التي سنها الشارع للفصل بين الحق والباطل، كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد، فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها، لما في الرؤيا من الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان؛ لأن أصل الكلمة لم يستعمل إلى فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة، مما لا حقيقة له. انتهى.
والمراد بالجمع في الأحلام ما فوق الواحد؛ لأنهما حلمان، رأى كل واحد منهما إثر استيقاظه منه، كما روي، وفهم بعضهم أنه حلم واحد، فالتمس للجمع نكتة فقال: إما المبالغة في وصفه بالبطلان، أو تضمنه أشياء مختلفة، ولا حاجة إليه، كما بينا.
{وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} يحتمل أن يريدوا بالأحلام المنامات الباطلة خاصة. أي: ليس لها تأويل عندنا، وإنما التأويل للرؤيا الصادقة. وأن يعترفوا بقصور علمهم، وأنهم ليسوا في التعبير بنحارير.
قال الناصر: وهذا هو الظاهر. وحمل الكلام على الأول يصيره من وادي:
*على لا حب لا يُهتدى بمناره

كأنهم قالوا: ولا تأويل للأحلام الباطلة، فنكون به عالمين. وقول الملك لهم أولاً: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} دليل على أنهم لم يكونوا في علمه عالمين بها، لأنه أتى بكلمة الشك، وجاء اعترافهم بالقصور مطابقاً لشك الملك الذي أخرجه مخرج استفهام عن كونهم عالمين بالرؤيا أو لا. وقول الفتى: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ} إلى قوله: {لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} دليل أيضاً على ذلك- والله أعلم-.

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} [45].
{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} أي: من صاحبي السجن، وهو الساقي: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: تذكر بعد مدة، وكان تذكره، على ما روي، بعد سنتين: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ} أي: أخبركم به بالتلقي عمن عنده علمه، لا من تلقاء نفسي، ولذلك لم يقل: أنا أفتيكم فيها، وعقبه بقوله: {فَأَرْسِلُونِ} أي: فابعثوني إلى يوسف، وإنما لم يذكره، ثقة بما سبق من التذكر، وما لحق من قوله:

.تفسير الآية رقم (46):

القول في تأويل قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [46].
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} أي: أرسل إليه، فأتاه فقال: يا يوسف!، ووصفه بالمبالغة في الصدق، حسبما ذاق أحواله، وتعرف صدقه في تأويل رؤياه، ورؤيا صاحبه، حيث جاء كما أول؛ لكونه بصدد اغتنام معارفه، فهو من باب براعة الاستهلال: {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} أي: في تأويل رؤيا ذلك. ولم يغير لفظ الملك؛ لأن التعبير يكون على وفقه، كما بينوه. وفي قوله: {أَفْتِنَا} مع أنه المستفتي وحده، إشعار بأن الرؤيا ليست له، بل لغيره ممن له ملابسة بأمور العامة، وأنه في ذلك معبر وسفير، كما آذن بذلك قوله: {لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ} أي: إلى الملك ومن عنده: {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: ذلك: فيعملون بمقتضاه، أو يعلمون فضلك ومكانك من العلم، فيطلبوك ويخلصوك من محنتك. وإنما لم يبت الكلام، بل قال {لعلي} و{لعلهم}، مجاراة معه على نهج الأدب، واحترازاً عن المجازفة؛ إذ لم يكن على يقين من الرجوع، فربما اخترم دونه.
لعل المنايا دون ما تعداني

ولا من علمهم بذلك، فربما لم يعلموه- أشار إليه أبو السعود-.

.تفسير الآيات (47- 49):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [47- 49].
{قَالَ} أي: يوسف له في تأويلها: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} أي: دائبين مواظبين كل عام منها: {فَمَا حَصَدتُّمْ} أي: من الزرع: {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ} أي: لا تدرسوه، فإنه أبقى له: {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} أي: في تلك السنين، يعني بقدر ما تأكلون.
{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ} أي: السبع المذكورات: {سَبْعٌ شِدَادٌ} أي: سبع سنين صعاب على الناس؛ لقوة القحط: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي: ما رفعتم لهن من الحبوب المتروكة في سنابلها. ولما عبر عن البقرات بالسنين، نسب الأكل إلى السنين، كما رأى في الواقعة البقرات يأكلن حتى يحصل التطابق بين المعبر وهو المرئي في المنام، والمعبر به وهو تأويله. ولا يتعين المجاز العقلي- أي: يؤكل فيها- كما في: نهاره صائم؛ لجواز أن يكون مشاكلة حينئذ {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} أي: تحرزون وتخبئون للزراعة.
{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ} أي: السنين الموصوفة بالشدة، وأكل الغلال المدخرة: {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} أي: يمطرون من الغيث، أي: يغاثون من القحط، أو يرفع عنهم مكروهه من الغوث: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي: ما كانوا يعصرونه على عادتهم من عنب وزيتون ونحوهما.
قال أبو السعود: والتعرض لذكر العصر، مع جواز الاكتفاء عنه بذكر الغيث المستلزم له عادة، كما اكتفى به عن ذكر تصرفهم في الحبوب، إما لأن استلزام الغيث له ليس كاستلزامه للحبوب؛ إذ المذكورات يتوقف صلاحها على مبادئ أُخر غير المطر. وإما لمراعاة جانب المستفتي باعتبار حالته الخاصة به، بشارة له، وهي التي يدور عليها حسن موقع تغليبه على الناس، في القراءة بالفوقانية. وقيل: معنى {يعصرون} يحلبون الضروع. انتهى.
واللفظ بعموم معناه يشمله؛ لأن الحلب فيه عصر الضرع ليخرج الدر.
قال الزمخشري: تأويل البقرات السمان والسنبلات الخضر: بسنين مخصبة، والعجاف واليابسات: بسنين مجدبة، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركاً خصيباً، كثير الخير، غزير النعم، وذلك جهة الوحي.
تنبيه:
قال في الإكليل: هذه الآية من أصول التعبير. وفيها أيضاً صحة رؤيا الكفار، وجواز تسميته ملكاً، وأن قولنا الرؤيا لأول عابر. ليس عامًّا في كل رؤيا؛ لأنهم قالوا: {أضغاثُ أَحْلامٍ}، ولم تسقط بقولهم ذلك، فتخص القاعدة بما يحتمل من الرؤيا وجوهاً، فيعبر بأحدها، فيقع عليه. وفي قوله: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ} الخ، زيادة على ما وقع السؤال عنه فيستدل به، على أنه لا بأس بذلك في تعبير الرؤيا والفتوى. انتهى.

.تفسير الآية رقم (50):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [50].
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} أي: أخرجوه من السجن وأحضروه؛ لما علم من علمه وفضله {فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ} أي: يستدعيه إلى الملك: {قَالَ} أي: يوسف له: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} أي: سيدك الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: ما شأنهن وخبرهن؟ أمره بأن يسأله ويستفهمه عن ذلك، ولم يكشف له عن القصة، ولا أوضحها له؛ لأن السؤال مجملاً، مما يهيج الملك على الكشف والبحث والاستعلام، فتحصل البراءة. وإنما كان السؤال المجمل يهيج الإنسان، ويحركه للبحث عنه؛ لأنه يأنف من جهله وعدم علمه به، ولو قال: سله أن يفتش عن ذلك، لكان طلباً للفحص عنه، وهو مما يتسامح ويتساهل به، وفيه جرأة عليه، فربما امتنع منه، ولم يلتفت إليه.
قال الزمخشري: إنما تأنى وتثبت في إجابة الملك، وقدم سؤال النسوة؛ ليظهر براءة ساحته عما قرف به وسجن فيه؛ لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده، ويجعلوه سلماً إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا: ما خلد في السجن إلا لأمر عظيم وجرم كبير، حق به أن يسجن ويعذب، ويستكف شره. وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها. قال عليه السلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم». ومنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمارين به في معتكفه، وعنده بعض نسائه: «هي فلانة»، اتقاء للتهمة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره، والله يغفر له، حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني. ولقد عجبت منه حيث أتاه الرسول فقال: {ارجِعْ إِلى رَبَّكَ} ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت؛ لأسرعت الإجابة، وبادرتهم الباب، ولما ابتغيت العذر، إن كان لحليماً ذا أناة». انتهى.
رواه عبد الرزاق في مصنفه مرسلاً عن عِكْرِمَة.
وقد روي في المسند والصحيحين مختصراً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي». مدحه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأناة، كان في طي هذه المدحة بالأناة والتثبت تنزيهه وتبرئته مما لعله يسبق إلى الوهم أنه همَّ بامرأة العزيز همّاً يؤاخذ به؛ لأنه إذا صبر وتثبت فيما له ألا يصبر فيه، وهو الخروج من السجن، مع أن الدواعي متوافرة على الخروج منه، فلأن يصبر فيما عليه أن يصبر فيه من الهم أولى وأجدر أفاده الناصر.
قال أبو السعود: وإنما لم يتعرض لامرأة العزيز، مع ما لقي منها ما لقي، من مقاساة الأحزان، محافظة على مواجب الحقوق، واحترازاً عن مكرها، حيث اعتقدها مقيمة في عدوة العداوة. وأما النسوة فقد كان يطمع في صدعهن بالحق وشهادتهن بإقرارها بأنها راودته عن نفسه فاستعصم، ولذلك اقتصر على وصفهن بتقطيع الأيدي، ولم يصرح بمراودتهن له، وقولهن أطع مولاتك واكتفى بالإيماء إلى ذلك بقوله: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} يعني ما كدنه به، وفي إضافة علمه إلى الله إشارة إلى عظمه، وأن كنهه غير مأمول الوصول إليه، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله. وفيه تشويق وبعث على معرفته، فهو تتميم لقوله: اسأل، ودلالة على أنه برئ مما قرف به؛ للاستشهاد بعلمه تعالى عليه. وفيه الوعيد لهن على كيدهن، وأنه تعالى مجاز عليه، وقوله:

.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [51].
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ} استئناف مبني على السؤال، كأنه قيل: فماذا كان بعد ذلك؟ فقيل: قال الملك: ما خطبكن- أي: شأنكن- إذ راودتن يوسف يوم الضيافة؟ يعني: هل وجدتن منه ميلاً إليكن؟.
{قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ} أي: قبيح، بالغن في نفي جنسه عنه بالتنكير، وزيادة من: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: ثبت واستقر وظهر بعد خفائه {أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أي: في قوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}.
قال الزمخشري: ولا مزيد على شهادتهن له بالبراءة والنزاهة، واعترافهن على أنفسهن، بأنه لم يتعلق بشيء مما قرفنه به؛ لأنهن خصومه. وإذا اعترف الخصم بأن صاحبه على الحق، وهو على الباطل، لم يبق لأحد مقال. انتهى.
والفضل ما شهدت به الأعداء

.تفسير الآية رقم (52):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [52].
{ذَلِكَ} تقول امرأة العزيز: ذلك الذي اعترفت به على نفسي: {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} أي: ليعلم يوسف أني لم أكذب عليه في حال الغيبة، وجئت بالصحيح والصدق فيما سئلت عنه، أو ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع، فاعترفت ليعلم أني بريئة {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} أي: لا يرضاه ولا يسدده.